النكات التافهة ... هل هي الطريق الجديد للشهرة؟

النكات التافهة ... هل هي الطريق الجديد للشهرة؟

 


في وقت أصبحت به الشهرة مقصد الجميع، والوجهة الأولى لكل شخص يريد النجاح بشكل كبير وبوقت قصير، لذلك تجد صفحات التواصل الاجتماعي تعج بالأشخاص الذين يحاولون نيل الشهرة بأي طريقة، فمنهم من يغني ومنهم من يرقص ومنهم من ينشر محتوى ذي قيمة وفائدة مثل مهارات الحياة أو أخر الأبحاث العلمية، ولكن هناك نوع لم يجد سبيلاً للشهرة، فاتبع طريقاً سهلاً ومختصراً، وهذا الطريق هو النكات التافهة أو ما يسمى ب"pun" وهو مصطلح يعني اللعب على الكلمات، والقصد من هذا اللعب هو إضحاك الآخرين ولكن ما مدى نجاح هذه الطريقة؟
وهل يمكن لأي شخص أن يستخدمها؟ إليك المقال التالي:

• اللعب على الكلمات

إن اللعب على الكلمات له تأثير كبير على الدماغ فيمكن أن يتسبب في الضحك أو يسبب الاشمئزاز من الشخص الذي ألقى هذه الدعابة، وللتقريب أكثر من معنى اللعب على الكلمات أو ما يدعى باللغة العربية "التورية" هناك مثال بسيط (إن شعري طويل للغاية لأن فيه كلمات كثيرة)، حيث أن كلمة شعر أخذت معنيين، المعنى الأول هو شعر الرأس والمعنى الثاني هو نوع من الأدب، وهناك الكثير من الدعابات أو النكات التي تلقى بنفس الطريقة السابقة، وهو أمر شائع جداً في مواقع التواصل الاجتماعي وهناك العديد من الصفحات والأشخاص الذين يتبعون هذه الطريقة لتحقيق الشهرة والحصول على نسبة تفاعل من الجمهور حتى لو كان هذا التفاعل ناجم عن اشمئزاز ونفور.

• كيف تؤثر النكات التافهة على الدماغ

في سنة 1929م كان الجراح الألماني (اوتفريد فورستر) يجري عملية استئصال ورم في الدماغ، حيث أن المريض كان مخدراً بشكل جزئي وهذا يعني أن يبقى المريض واعياً ولكنه لا يشعر بمنطقة إجراء العملية، وأثناء عمل الطبيب في دماغ المريض بدأ المريض بالتحدث بصوت عالي ويصرخ، ولكن صراخه لم يكن ناجم عن ألم أو خطأ في العملية بل كان محتوى هذا صرخ هو النكات السخيفة واللعب على الكلمات، حتى أنه أصبح يلقي هذه النكات بلغات مختلفة مثل اللاتينية والألمانية إلى أن انتهى الطبيب من العملية.

إن الحالة التي أصابت المريض تسمى "التهازر" أو "التمازح" وهذه الحالة تجعل المريض غير قادر على السيطرة على وصلة اللعب على الكلمات وهذا بسبب ضرر يصيب الفص الجبهي، وهذا ما ينشط الأماكن المسؤولة عن السعادة في الدماغ أثناء اللعب على الكلام.
عندما تسمع جملة فيها لعب على الكلمات يتحسس القسم الأيسر من دماغك الخطأ الموجود في الجملة فيستعين بأماكن أخرى لفهم الجملة، وبعد أن تفهم الجملة سوف يكافئ دماغك هذه الأماكن بإفراز الدوبامين، وخاصةً إذا كان الدعابة معقدة، فيشعر الشخص بالسعادة أو بالنفور، وهذا التناقض جعل الكثير من العلماء يفشلون في وضع برنامج يستطيع تحديد ما إذا كانت النكات السخيفة مضحكة أم لا، وذلك لأن العملية المرتبط بفهم هذا النوع من الدعابات معقدة جداً لدرجة أنه هناك بعض الدراسات التي توضح أن الأطفال الذين يستطيعون اللعب على الكلمات بشكل جيد، يمتلكون قدرة على استيعاب مواد العلوم والرياضيات واللغات أفضل من غيرهم، ويمكن تفسير هذه الدراسة بأن اللعب على الكلمات يوسع مدارك الطفل ويحسن من قدرته على تحديد الاختلاف.

منذ متى واللعب على الكلمات موجود؟

من الغريب قول ذلك ولكن إن التورية أو اللعب على الكلمات يعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، فقد كان القدماء المصريين يستخدمون اللعب على الكلمات، ولكن ليس للمزاح والضحك بل كانت نوع من أنواع علم البلاغة وتم استخدامها في الدين أيضاً، حيث أن قصة الآلهة سيت وحورس تضمنت العديد من الكلمات التي لها معنى مختلف، وإذا اقتربنا بالتاريخ أكثر سوف نجد أن في القرن الرابع عشر قبل الميلاد وتحديداً في أثينا كان أفلاطون يلعب على الكلمات وأرسطو كان يمدح اللعب على الكلمات في كتابه "الخطابة" ويراها من الطرق الجذابة لتوصيل المعلومات، ولم يقتصر استخدام اللعب على الكلمات على الأغراض الجدية بل كان هناك إلى جانب الأماكن الجادة مثل أكادمية أفلاطون أماكن أخرى يتم فيها المزاح وإلقاء هذا النوع من النكات، حتى أنه كان هناك كتاب يوناني يتضمن 264 من النكات السخيفة ويعتبر هذا الكتاب الأقدم من نوعه.

• لماذا لم يعد اللعب على الكلمات ذو أهمية؟

بعد أن كان للعب على الكلمات أهمية كبرى في التاريخ، ظهرت في القرن التاسع عشر ميلادي بعض المعتقدات الحديثة التي تعتبر أن اللعب على الكلمات يعتبر شتيمة في حق الشخص الذي يسمعها، حتى أنه يمكن مسامحة الشخص عند ضربه لصاحب النكات السخيفة، ووصولاً إلى القرن الواحد والعشرين فقدت هذه النكات أهميتها وأصبح الجميع تقريباً يستهزئ بمن يلقي النكات السخيفة.

بعد انتهاء الحضارة الإغريقية ظل الرومان محافظين على مكانة التورية واللعب على الكلمات، واستمرت هذه الحال فترة طويلة، ومع ظهور لغات الجديدة، مثل اللغة الإنجليزية القديمة التي ظهرت في القرن الخامس ميلادي، أصبح هناك مساحة أوسع للعب على الكلمات، وذلك لأن هذه اللغات كانت مشتقة من لغات أخرى، وهذا ما خلق كلمات كثيرة بنفس اللفظ ولكن بمعنى أخر (هناك قهوة وجدت صديقتها تبكي فقالت لها Coffee عن البكاء)، وهذه الظاهرة ازدادت بسبب احتلال الدوق الفرنسي لجزء من بريطانيا وإعلان اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية في بريطانيا، مما جعل اللغة البريطانية تتأثر جداً باللغة الفرنسية مما يزيد سهولة اللعب على الكلمات، أما السبب الثاني وراء ازدياد اللعب على الكلمات هو انتشار الطاعون الذي تسبب بهجرة الكثيرين من المناطق التي ينتشر فيها الطاعون إلى الأماكن الأمنة، وهذا ما زاد التنوع وفرصة العب على الكلمات.

وفي القرن السادس عشر للميلاد بدأ ما يسمى بعصر النهضة، والذي تم فيه الاهتمام بالكتابات الإغريقية وترجمتها، وبالأخص أعمال أفلاطون وأرسطو، وكما هو متوقع! ازداد الاقبال على النكات التافهة واللعب على للكلمات، ومن أعظم الأشخاص اللذين اتبعوا هذه الطريقة في عصر النهضة هو الكاتب المسرحي "شكسبير" وهذا الشخص لم يستغل تنوع الكلمات الانجليزية فقط بل اختراع كلمات جديدة وادخلها على اللغة، واستمرت التورية على هذه الحال إلى أن جاء "عصر التنوير" ومعه المنهجية العلمية وظهور العلماء والفلاسفة، وبوجود هذه المنهجية الواضحة والصارمة تم تهميش الأساطير، والعادات، والتقاليد، واللعب على الكلمات، وبهذا أصبحت اللغة الإنجليزية أقوى وكان من الصعب اللعب في المعاني، لذلك تحولت من طريقة يتبعها الجميع إلى وصمة عار.

إن التورية أو اللعب على الكلمات أو النكات السخيفة ماهي إلا طريقة اختفت لفترة من الزمن وعادت للظهور اليوم، فهناك من يضحك عليها وهناك من يصد عنها لدرجة أنه يشعر بألم في البطن، وتبقى ردة فعل كل شخص أمر خاص به ولا يعني أن النكات التافهة هي شيء جيد أو سيئ حتى.

أرشيف المدونة

إتصل بنا

إرسال