الإدمان على الألم ... هل يمكن أن نحب الأشياء التي تؤذينا؟

الإدمان على الألم ... هل يمكن أن نحب الأشياء التي تؤذينا؟



يمكن تعريف الإدمان على أنه اضطراب يصيب الدماغ، وينتج عن ممارسة شيء تحبه لفترة طويلة إلى أن تشعر بدونه أن هناك شيء ينقصك، ولا تستطيع الإبتعاد عن استهلاك الشيء الذي تدمن عليه أو التوقف عن ممارسته والتعرض إليه، فيصبح عادة لا يمكن مقاومتها، وتستسلم له بشكل كامل نفسياً وجسدياً، ومن الصعب جداً ترك الشيء الذي تدمن عليه، فيمكن أن يكون إدمناً سلوكياً أي أن يدمن الشخص على عادة معينة وسلوك معين، أو إدمان على مادة معينة مثل العقاقير والمسكنات، ولكن هل يمكن الإدمان على شعور معين؟ وماذا لو كان هذا الشعور هو الألم؟ إليك المقال التالي:




• الإدمان على الألم 

إن إدمان المشاعر هو شيء موجود ويتصف بنفس الأعراض التي تظهر على مدمن الأشياء الأخرى مثل العقاقير والإنترنت والألعاب، وهناك كثيرين ممن يدمنون على مشاعر قوية مثل الشعور بالحب، فيصاب الشخص المدمن على الحب بالهوس والاضطراب وعدم القدرة على الابتعاد عن المحبوب وفي حال ابتعد عنه لمدة طويلة يصاب المدمن بالأعراض نفسها التي يصاب بها الشخص المدمن عند ترك العقاقير، ولا يقتصر الإدمان الشعوري على الحب فقط، بل هناك إدمان أخر متعلق بالمشاعر وهو الإدمان على الألم. 

في المسلسل المشهور black mirror كان هناك طبيب يستطيع الشعور بألم المرضى عن طريق جهاز يضعه في رأسه وجهاز يضعه على رأس المريض، وهذا ما يجعله يشعر بمكان الألم لدى المريض ليستطيع التشخيص بشكل دقيق وسريع، وفي إحدى المرات اختبر الطبيب التجربة الأقسى، حيث أنه وضع الجهاز على رأس مريض يحتضر وجرب شعور الموت لوهلة، الشعور الذي لم يختبره أحدٌ قط، وبعدما مات المريض، أغمي على الطبيب لمدة خمس دقائق كاملة، وخلال هذه التجربة شعر الطبيب بألم الموت الذي ينتج عنه فيضان من الأندورفين، مجرة من الارتباطات العصبية تختفي، وبعد أن استيقظ الطبيب، كان شعوره تجاه الألم مختلف كلياً، وبدى مستمتعاً بالألم بشكل كبير، فتغيرت حياته وأصبح يعمل لوقت أطول في قسم الإسعاف ويجرب أنواع مختلفة وشديدة من الألم مثل الألم الناجم عن احتشاء القلب والكسور الشديدة. 

وبما أنه مسلسل خيال علمي! يعتبر هذا الأمر غير واقعي وضرباً من الخيال، ولكن إذا أخذنا نظرة قريبة سوف نجد أن الأمر معقول وقريب من الواقع، حيث أن الأمر يشبه تناول الفلفل الحار، فعند تناوله للمرة الأولى سوف يكون سيء للغاية ولا يمكن تقبله، ولكن في حين استمر الشخص بتناوله سيتأقلم بسرعة ويصبح مدمناً، وسرعان مايصبح الفلفل الحار العادي غير كافي، فينتقل الشخص إلى مستوى أعلى من الحر، مثل الفلفل الأحمر الحار ومن ثم فلفل أكثر حرارة. 


• الاعتياد على الألم يخلق الإدمان

خلال النظر العميق في مجريات الأمور اتضح أن الإدمان لا يقتصر على الأشياء التي نحبها، فالاعتياد على الشيء سواء نحبه أو نكرهه سوف يخلق إدماناً واعتياداً، ويصبح الأمر أكثر وضوحاً عندما نرى شخصاً تعرض للإهانة مرات عدة حتى اعتاد عليها، فيجد نفسه ضعيف وغير قادر على الابتعاد عن مصدر هذه الإهانة، وذلك لأن استمرارها قد قضى تدريجياً على العواطف والمشاعر الجيدة، ولم يبقى سوى الألم، فيعلق هذا الشخص بدائرة الألم ولا يحاول الخروج منها لأنه اعتاد الألم واعتاد الشعور به، ونجد هذه الظاهرة منتشرة جداً في العلاقات السامة، وهذا ما يفسر عدم القدرة على الابتعاد عن الأمور التي تؤذينا.

• اضطراب حب الألم

كلنا نعرف الشخصية السادية التي تحب تعذيب الآخرين وإهانتهم وتستمتع برؤية الألم والمعاناة، ولكن ماذا لو انعكس الأمر، وأصبحت تحب تعذيب نفسها وإهانتها.
هناك اضطراب يعرف باضطراب الشخصية المازوخية (masochism)، ويعرف هذا الاضطراب بحب الألم، ويمكن وصف الشخص المازوخي بمدمر الذات، إذ أنه يحب التعرض للإهانة والذل والألم، وتفتقر هذه الشخصية إلى القدرة على الاستمتاع بالوقت حيث أنها اعتادت على الألم، وتلوم نفسها باستمرار على أشياء فعلتها أم لم تفعلها، وتتقبل جميع أنواع الأذية من الأخرين ولا تستطيع الابتعاد عن مصادر الألم، والمخيف بالأمر أن الألم لا يقتصر على ألم المشاعر بل يمكن أن يتطور إلى أن يصبح ألم جسدي وأذية حقيقية.

ويعود سبب نشوء هذه الشخصية إلى التربية المنزلية والظروف التي تربى عليها الطفل، فبينما يسعى إلى اتباع رغباته، تجد الأهل مصرين على فرض الكثير من الواجبات والمعايير الصعبة على طفلهم، وتعريضه للتوبيخ بشكل دائم، هذا ما قد يحفزه على محبة هذه الإهانة والاعتياد عليها، وجعله جاهز للإهانات والألم وغير قادر على الاستمتاع بالحياة.

• الشعور بالألم ليس سيء إلى هذا الحد

قد يحتاج بعض الأشخاص إلى الشعور بالألم أحياناً، فهناك شيء جيد مرافق لهذا الألم على الأغلب، وخير مثالٍ على ذلك هو الاستماع إلى الأغاني  الحزينة لتأجيج الألم داخلنا فلا نسعى إلى الاستمتاع والترفيه عن النفس في اللحظات الحزينة بل نبحث عن مصادر تزيد من الحزن والألم داخلنا، مثل المقولات الحزينة أو الأغاني والأفلام الحزينة، وينطبق الأمر على أفلام الرعب وإثارة الخوف في نفوسنا بلا سبب، فقط لإشعال بعض المشاعر المؤلمة داخلنا، وتفريغ الطاقة.

إن الاعتياد على شيء ما سوف يحبسك ضمن أسواره وينسيك أنه يوجد عالم حقيقي خلف هذه الأسوار فتعتاد على المعاناة أو الألم وتتعايش مع الحالة الجديد إلى أن تصبح مدمناً وغير قادر على عيش حياة سوية وطبيعية، فتصبح لحظات السعادة شيء مزعج بالنسبة لك ومريب وغير مقبول لأنه لا يناسب نمط حياتك.

 

أرشيف المدونة

إتصل بنا

إرسال