ماذا لو اختفى الألم؟

ماذا لو اختفى الألم؟

 


ماذا لو اختفى الألم؟

تمحور موضوع إحدى حلقات مسلسل الدراما الطبية "House" حول فتاة في السادسة عشر من عمرها تعرضت لحادث سيارة خطير برفقة والدتها، لاحظت الفتاة التي تدعى "هانا" أن والدتها فقدت الوعي و بذلك قامت فوراً بالإتصال بالنجدة ثم نظرت للأسفل فرأت قضيباً معدنياً محشوراً في فخذها و عند وصولهما للمستشفى تجاوزت درجة حرارة "هانا" أربعين سيليسيوس دون أن تشعر بأي ألم أو تتعرق أو ترتجف كردة فعل للحرارة المرتفعة تبع ذلك انهيارها غائبة عن الوعي فاسعفها الاطباء بسكب الماء المثلج و أكياس التبريد على جسدها تلا ذلك خضوع "هانا" للتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، أثناء وضع يدها داخل وعاء يحوي مياه ساخنة جداً حيث طلب الأطباء منها إخراج يدها من الوعاء بشكل متكرر و ذلك ليقيسوا استجابة دماغها للألم لكن تركيزها تشتت أثناء خضوعها للاختبار السابق و نسيت أن تخرج يدها من وعاء الماء الساخن و نظراً للوقت الذي أحتاجه الطبيب للدخول إلى حجرة التصوير المقطعي و إخراج يدها من الوعاء احترقت يد "هانا" بحروق من الدرجة الثانية و طيلة فتى إقامتها في المستشفى لم تشتكي "هانا" من أي ألم على الإطلاق و رغم أن كينونة "هانا" من ضرب الخيال باعتبار أنها مجرد شخصية خيالية من مسلسل تلفزيوني إلا أن حالتها تستعرض جميع الأعراض لواحد من أندر الأمراض في التاريخ و هو مرض عدم الحساسية الخلقية للألم مع عدم التعرق أو ما يعرف اختصاراً بمرض سيبا.

- حالات واقعية تشبه حالة "هانا" :

• اشتهر صبي باكستاني بتقديم عروض استعراضية لقدراته العجيبة في الشارع حيث كان يغرز الخناجر في ذراعيه و يمشي على فحم مشتعل وسط ذهول المتفرجين و هو الأمر الذي يدعونا إلى الاعتقاد أن حالة عدم الإحساس الخلقي بالألم قد تكون إحدى التفسيرات المرجحة لبعض الأشخاص الخارقين في الطبيعة من أمثال ذلك الصبي، هؤلاء الذين يأكلون الزجاج و المسامير و يغرزون الأسياخ الحادة في وجناتهم و أعينهم إما هذا أو أنهم يمتلكون مقدرة هائلة على تحمل الألم.

• بغض النظر عن الجماعات الصغيرة في العالم معظمنا يبذل قصارى جهده لتجنب الألم لكن ماذا لو لم تكن تشعر بالألم؟

ربما تعتقد أن الحياة دون ألم هي مجرد سيناريو افتراضي نضعه بين يديك بغرض الترفيه فقط لكن لا، فهذا أمر واقع بالنسبة لعدد من الأشخاص حول العالم.

- التعايش مع مرض سيبا :

إن التعايش مع مرض عدم الإحساس الخلقي للألم يجعلك معرضاً و بشكل كبير لتحيا حياة قصيرة، ففي البداية سيشعر والداك أنهما محظوظان لأن لديهما ولد لا يبكي لكن ما إن تبدأ بالمشي حتى تنقلب راحتهما إلى قلق دائم، بالطبع يمكنك أن تمشي و أن تركض و تقفز و ترقص لكن جانب الحيطة الذاتية و الاعتماد على نفسك سيتطلب منك المحاولة و الخطأ المستمرين، ستبدأ الأمور معك مبكراً بدايةً من عض لسانك أثناء عملية الأكل إلى التعثر المفاجئ لأقدامك دون أن تتعلم من تجربة الشعور بالألم و النتيجة أنك قد تقضي طفولتك ملفوفاً بالضمادات و الجبائر لكن لن تعي السبب أبداً و قد يجعلك لقب "الذي لا يقهر" شهيراً في مدرستك لكنك لن تكون كذلك مع شركات التأمين، يمكنك أن تكون بهلواناً أو جندياً أو بطلاً خارقاً أو حتى رجل إطفاء رائع لكنك لن تكون ذواقا يعتد به للطعام و مع العلم أن العالم يستهلك يوميا 14 مليار جرعة من الأدوية المسكنة للألم لابد أن تكون القدرة على الشعور بالألم بالغة الأهمية لبقائك حيا.

• بعد كل مزايا انعدام الشعور بالألم إلا أن جسدك سيكون خالياً من جهاز إنذار و قد يكون من الذكاء بأن تعلم ما كل شيء سيكون جيدا بالنسبة لك.

- ما السبل لمعرفة الشيء بالنسبة لك؟

لم تغفل شركات الأدوية هذه الحالات النادرة و تتطلع للتعلم منها إلى جانب إيجاد علاج لها، فعلى سبيل المثال تدرس شركة الأدوية الكندية "زينون" حالات انعدام الحساسية الخلقية للألم آملة بعلاج أولئك الذين يعانون آلام مزمنة، و في عالم يتم فيه تشخيص إصابة شخص من كل عشر بالغين بآلام مزمنة كل عام يمكن لهذا البحث أن يساعد الكثير من الناس، و خلافاً لذلك تطور بعض الشركات أدوية لمساعدة الناس على الشعور بالألم قد يبدو هذا غريبا و نحن نتحدث عن انعدام الشعور بالألم و كل ما هنالك اليوم هو أدوية تنظيم فرط إفراز الأندروفين لكنها لا تلائم الجميع و مازال هناك الكثير مما ينبغي أن نتعلمه بشأن انعدام الإحساس الخلقي للألم.

- كيف يحدث مرض سيبا ؟

• في هذا الصدد كان يعتقد الفيلسوف أرسطو أن شعور الألم يحدث أثر دخول أرواحٍ شريرةٍ إلى الجسم عبر مكان الإصابة غير أن نتائج قرونٍ من التقدم العلمي قد لا تتوافق مع وجهة النظر تلك.

• يوجد جهاز مخابرات مدهش إنه الجهاز العصبي الذي يقع الإنسان وبيئته المحيطة تحت مراقبته الدقيقة و المستمرة يقوم بإدارة جهاز المخابرات العصبي قائد أعلى متمركز في برج مراقبة نحمله فوق أعناقنا ذلك القائد هو المخ الذي يتخذ القرارات و يصدر الأوامر و يحتل الحبل الشوكي المرتبة الثانية بعد المخ مباشرة في القيادة العليا لجهاز المخابرات العصبية فضلاً عن أنه يشغل منصب النائب عنه في بعض الأحيان و يعمل تحت إمرتها عملاء مجندون في مراكز تجسس تنتشر في أنحاء الجسم تلك هي المستقبلات التي تستكشف المؤثرات البيئية المحتملة و تتم عملية التواصل بين القيادة العليا و العملاء من خلال شبكة اتصالات ضخمة تتكون من أسلاك عصبية دقيقة تتجمع في كابلات تدعى الأعصاب الطرفية و عبر شبكة الاتصالات تلك تستقبل القيادة العليا الرسائل من العملاء و عبرها أيضا ترسل الأوامر لعضلات و أعضاء الجسم بلغة سرية مشفرة تدعى "النبضات العصبية".

• إذا تعرض الجسم لمؤثرٍ ضارٍ كما في حالة وضع "هانا" يدها في سائل مغلي لابد أن يستثير ذلك الأمر المستقبلات الحسية للألم (Pain Receptors) و هم العملاء المعنيون بمراقبة مصادر الخطر، هنا ينبغي أن يبعث العملاء برسالة استغاثة للقائد الأعلى فوراً ولا يسعنا هنا إلا أن نتساءل أين هي الحلقة المفقودة اذاً؟
من أين ينشأ الخلل الذي يعطل عمل تلك المنظومة المحكمة؟

• اتضح أن المدان في تلك الحالة هو جين وراثي يدعى "SCN9A" و هو المعني بعملية إرسال نبضات الألم عبر شبكة اتصالات الأعصاب الطرفية و نتيجةً لذلك العطل الفني في الشبكة يصبح الطريق مقطوعا على أي رسالة استغاثة يتم توجيهها إلى المخ تاركاً المخ بمعزل عن إدراك أي مؤثر خارجي قد يضر بالجسم.

- ختاماً :

بعد كل ما سبق في المرة القادمة التي تبكي فيها من الألم احرص على أن تذرف بعضا من دمعك فرحا لأنك تشعر بالألم فمهما كان هذا الألم موجعاً إلا أنه يعتبر أمراً جيدا بالنسبة لك لأنه يعلمك تجنب التهديدات و المخاطر و تفادي تكرار الأخطاء الغبية و أيضا يمكنك فهم رسائل جسمك مثل الحمى التي تعتبر مؤشراً لوجود خلل في جسمك.

أرشيف المدونة

إتصل بنا

إرسال