كيف نفهم البيئة؟ وما هو التلوث؟

كيف نفهم البيئة؟ وما هو التلوث؟

 


كيف نفهم البيئة؟ وما هو التلوث؟


أثبتت الدراسات العلمية بأن الدمار قد بات خطراً يهدد جميع أجزاء البيئة الطبيعية على كوكب الارض بشكل سيؤثر فيه مستقبلا على سير وتطور الحياة ، وذلك نتيجة تداخل عوامل عديدة في مقدمتها النهضة الصناعية التي نشطت في القرن العشرين الماضي  وكذلك الانفجار السكاني الذي حدث خلال النصف الثاني من القرن نفسه وما رافقه من أنشطة تنموية وتطور صناعي وزراعي لسد الحاجات المتزايدة لملايين البشر فضلا عن استنزاف الموارد الطبيعية واستغلال أراضي الغابات في أنشاء المصانع والمعامل وشق الطرق ومد خطوط المواصلات والاتصالات وغيرها و أن الثروات الطبيعية من مصادر معدنية وغابات ووقود نفطي والتي تكونت عبر ملايين السنين قد أستنزفناها ،وما نزال ، وهذا الإستنزاف أدى من ضمن العديد من تأثيراته إلى إطلاق الغازات الملوثة إلى الهواء والمواد الغريبة إلى المياه أو التربة وبكميات تفوق قدرة الطبيعة على التخلص منها، و قد كان لهذه الحقائق -بعد ملاحظتها- صدى أنعكس من خلال جهود حثيثة للتعاون والتنسيق في سبيل حماية الطبيعة من الأخطار التي تتهددها، وعقد العديد من المئتمرات الدولية ، كما تم أنشاء عدد من المنظمات الدولية التي تعنى بشؤون الخطط اللازمة لدرء  أخطار التلوث عن البيئة، ووضع الخطط الكفيلة بمعالجة أشكاله العديدة وتم التوصل الى مبدأ التنمية المستدامة بهدف الحفاظ على موارد البيئة وتسليمها صالحة للعيش والاستثمار للأجيال القادمة.


- ما هي البيئة؟

البيئة كمصطلح علمي هي كل شئ من حولنا : الطبيعية وما فيها من تربة ومياه وما يلفها من هواء لكن مصطلح البيئة قد يستعمل في مجالات أخرى لغوية، كأن يقال البيئة المدرسية والبيئة العائلية وغير ذلك. هذا المقال سيركز على المفهوم الأول فقطبناءاً على ما تقدم يمكن تمييز ثلاثة مجموعات من البيئة هي البيئة الحضرية وهي البيئة التي شيدها الإنسان ونقل اليها مستلزمات العيش فيها مثل الأبنية والنباتات والتربة الخ فكل ما فيها جديد ولا يشابه الطبيعة في شئالبيئة الزراعية هي جزء من البيئة الطبيعية قام الإنسان بتغييرها وفق متطلبات الإنتاج الزراعي لمزروعات تفيد كغذاء وبذلك فهي بيئة تشبه الى حد كبير البيئة الطبيعيةالبيئة الطبيعية وهي الطبيعة البكر التي لم تمسسها يد الإنسان مثل الغابات الطبيعية، الأحراش، الصحاري وما الى ذلكأفضل انواع البيئات أعلاه هي تلك التي تحتوي على هواء نقي، ومياه نقية غير كدرة وتربة صالحة لزراعة النبات الطبيعي أو مزروعات الإنتاج التي يزرعها الإنسان وهذا ما يصطلح عليه بنوعية البيئةولكن كيف يمكن تحديد هذه النوعية ؟ أي بمعنى كيف يتم الجزم بأن الهواء هو نقي والمياه هي نقية وغير ذلك ؟الجواب تم إتفاق  علماء البيئة والطبيعة على ارقام هي تركيزات مكونات الهواء الطبيعي النقي، وتركيزات المواد من أملاح وغيرها في المياه بحيث إذا حصلت زيادة أو نقصان عنها فإن ذلك يوصف بأنه التلوث، وهذه التركيزات هي ما نسميه الحدود المسموح بها، وحين تصدر على شكل رسمي من قبل الدولة –مع غيرها من الضوابط  فأنها تسمى بالتشريعات البيئية

- لماذا تدهورت نوعية البيئة؟

نمسع كثيراً هذه الأيام بأن البيئة قد تدهورت والسبب هو تزايد النشاط البشري ويلاحظ من الواقع أن الطبيعة أو البيئة تحملت  وجود البشر على مدى الزمن حين كان عددهم لا يتجاوز بضعة ملايين فقط ينتشرون في كل العالم فكانت تأثيراتهم السلبية قابلة للإستيعاب من قبل النظام البيئي للكرة الأرضية أما اليوم فإن عدد نفوس البشر قد إزداد الى عدة مليارات وانتشروا في كل مكان، وقطعوا الغابات لينشأوا مجمعات سكنية، وتزايدت كميات الفضلات الناتجة عنهم الى درجات هائلة فأصبح كل ذلك فوق حدود تحمل الطبيعة، فبدأت آثار التلوث تظهر عليها.
شهد منتصف القرن الماضي أعلى وتائر التلوث البيئي، فقامت المنظمات الدولية برعاية الأمم المتحدة بدور فعال إذ عقدت أول  مؤتمر عالمي للبيئة عام 1972 أعقبه بعد عشرين عاماً مؤتمراً ثانياً ساهما بشكل جذري في تخفيف أحمال التلوث العالمي.
لوحظت أولى بوادر الاهتمام الدولي بالبيئة،  بعد تراكم الأدلة العلمية حول آثار الدمار البيئي الذي سببه التفجيرين الذريين الأمريكيين(أقرأ عن التفحيرين هنا)  في هيروشيما وناغازاكي في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية وما خلفه من أضرار وآثار وحالات مرضية بشرية لم تكن معروفة سابقا وبقي ظهورها مستمرا بسبب استمرار بقاء الإشعاع في البيئة  فضلاً عن التأثيرات الخطيرة على عناصر البيئة نفسها والتي نجمت عن التجارب الذرية  في الهواء ،  فتشكلت أثر ذلك أول لجنة بيئية على مستوى دولي شامل وعرفت آنذاك بإسم (اللجنة العلمية لدراسة تأثير الإشعاع الذري) وقد اختصت  بتقويم مستويات الإشعاع في البيئة والاحتمالات والأخطار الكامنة جراء ذلك على صحة الإنسان، إلا أن  العمل البيئي على المستوى العالمي بقي على حاله دون تطور ما عدا الجهود العلمية التي كان يقوم بها العلماء والباحثون العلميون وأساتذة الجامعات وغيرهم وبصفة فردية غير منسقة أو غير موجهة. مع مر السنين، توفر المزيد من الدلائل العلمية التي أكد البعض منها حدوث تغير في نوعية البيئة وتأثر الأحياء فيها،  ليس بسبب الإشعاع الذري فحسب،  بل بسبب استخدام  المواد السامة مثل المبيدات  أو القاء الفضلات الصناعية في مصادر المياه الطبيعية أو البحار،  فبدأ التفكير الجدي بدراسة مدى تأثر صحة الإنسان بسبب التغيير في نوعية بيئته.


- أهم مؤتمرات البيئة العالمية:

ساهمت الأمم المتحدة بدور ملحوظ في رسم خط  العمل الزمني البيئي على الصعيد الدولي وتمثل ذلك في نجاح المؤتمر العالمي الأول للبيئة وهو مؤتمر ستوكهولم للبيئة الذي شاركت فيه 114 دولة وحضره نحو 1200 مشارك، واستعرض ذلك المؤتمر محاور العمل البيئي مقسمة على النحو التالي: أصدر المؤتمر مقرراته التي عرفت بـ"إعلان ستوكهولم" والتي أحتوت على 26 مبدأ عمل بيئي، مع قرار بإنشاء منظمة بيئية دولية عرفت باسم برنامج البيئة للأمم المتحدة  وهي المعروفة إختصاراً باليونيب وقد أنشأت في العام 1972 نفسه وما تزال فعالة على صعيد العمل البيئي في الساحة الدولية لحد وقتنا الحاضر، كما تقرر في المؤتمر أيضاً إنشاء البرنامج الدولي للتعليم البيئي، الذي كان له الفضل في توثيق المعلومات ذات الصلة بتدريس المناهج  الدراسية والمفردات البيئية  التي عرضت فيما بعد في مؤتمر بلغراد للبيئة. 

- تبلور ملامح العمل البيئي العالمي:

كان للمبادئ والأسس العلمية التي حددها مؤتمر ستوكهولم أهمية بالغة في رفع وتائر العمل البيئي العالمي وتنسيق الجهود والمواقف في الساحة الدولية، وقد كان ذلك المؤتمر بمثابة خط الشروع لمديات أبعد ، لاسيما بعد أن تم تجديد تلك المبادئ وتوسيعها على ضوء المشكلات البيئية العالمية التي أستجدت فيما بعد، بناءاُ على ذلك فقد عقد العديد من المؤتمرات واللقاءات على الصعيد الدولي، وعدد لا يحصى من الندوات واللقاءات على الصعيد الإقليمي، هدفت جميعها الى بلورة العمل البيئي ووضعه في أطر أكثر كفاءة في التعاون والتنسيق البيئي.
بعد عشرين عاماً من مؤتمر ستوكهولم عادت دول العالم الى استعراض ما حققته في السنوات الماضية، وذلك في  مؤتمر عرف  بقمة الأرض (The Earth Summit)  عقد في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل للفترة 3-12 حزيران 1992، فشكل أكبر تجمع عالمي لدراسة أحوال البيئة وأثر عمليات التنمية البشرية والصناعية فيها، وتعزز بعد هذا المؤتمر الدولي مفهوم جديد عرف بالتنمية المستدامة.  تمخض المؤتمر عن منهاج للعمل البيئي عرف ببرنامج العمل 21، ويمثل  الاسس التنفيذية والخطوط الأرشادية لدول العالم ، والتي تنسق المتطلبات اللازمة لتحقيق أهداف المؤتمر  خلال العقد الاخير من القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين.


- من أهم القضايا التي حددها هذا البرنامج هي:

1 - تغيير أنماط الاستهلاك  
2 - حماية ورفع مستوى الصحة البشرية
3 - إدخال مفاهيم البيئة والتنمية عند أتخاذ القرارت 
4 - الحفاظ على الغابات والحد من عمليات أزالتها 
5 - الادارة السليمة للبيئات الهشة
6 - مكافحة التصحر والجفاف
7 - الحفاظ على التنوع البايولوجي
8 - حماية البحار
هذا بالإضافة الى عدد من اللقاءات والمؤتمرات الدولية في مجالات أكثر تخصصاً ومنها موضوع السلامة الحيوية الذي أقر له بروتوكول خاص به  وجرت حوله مفاوضات في مونتريال بكندا في كانون الثاني عام 2000 والذي يهدف الى التحكم بحركة وتجارة الكائنات الدقيقة الحية المعدلة وراثياً. والسيطرة على التلوث الغذائي من مناشئ بيئية أو بشرية وغير ذلك، وفي عام 2002 خططت الأمم المتحدة لإقامة مؤتمر  تقويمي شامل وهو المؤتمر العالمي الثالث من حيث الأهمية، وقد عرف في الأدبيات باسم (ريو+10 أو ستوكهولم +30) وهدف هذا المؤتمر إلى مراجعة أوضاع التنمية  في العالم وتقويم خطط حماية البيئة من التلوث والحد من استنزاف الموارد الطبيعية، ومن الواضح أن التسمية تشير  تشير إلى عدد السنوات التي مضت على كل مؤتمر من المؤتمرين، وبالفعل فقد عقد المؤتمر في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، لكن رغم التداعيات المتفاقمة في العالم نتيجة لسياسة الإدارة الأمريكية الرعناء، التي ألقت بظلالها على التعاون الدولي في الميادين الإقتصادية والعلمية والبيئية بشدة، ومع ذلك فقد تمخض المؤتمر عن جملة قرارات حول التنمية المستدامة شاركت الدول العربية بتقديم موقف موحد أسمته : " الأعلان العربي عن التنمية المستدامة" والذي صدر عن مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون التنمية والتخطيط والبيئة في إجتماعهم في القاهرة بتأريخ 24 تشرين الأول 2001، وفيما يأتي أهم أركان هذا الإعلان كعناوين:
 
أولاً: إستراتيجية عربية مشتركة ومتكاملة
ثانياً: أولويات العمل العربي المشترك
ثالثاً: احترام حقوق الشعوب في التنمية المستدامة
رابعاً: الحكمية وآليات تطويرها
خامساً: الآليات التمويلية للتنمية المستدامة


- السياسة العامة لحماية البيئة في الدول:

تحتاج أي دولة الى رسم وإقرار السياسة العامة لحماية البيئة مع تحديد الإطارات التنفيذية والتنظيمية لها وينبغي تطبيق هذه السياسة من قبل جميع الأطراف في الدولة أفراداً أو مؤسسات، وقد تطور في الآونة الأخيرة هذا المفهوم بدرجة كبيرة بعد أن وضعت المنظمة الدولية للتقييس التي مقرها في جنيف سلسلة المواصفات التي تختص بالإدارة البيئية وهي سلسلة الآيزو فحققت نقلة نوعية في في مجال تطوير نظم حماية البيئة وتحسين مستوى التعامل مع المشكلات البيئية ومساعدة المؤسسات على وضع وتحديد أهدافها بشكل أكثر دقة، وبذلك ينبغي على كل مؤسسة مهما كان مجال عملها أن تصرح علانية عن إسلوب تعاملها مع البيئة وبهذا يكون لها سياسة بيئية يتم تقويمها بموجب مواصفات الآيزو.

أرشيف المدونة

إتصل بنا

إرسال