فخ الذكاء ... لماذا العباقرة أكثر غباء من الأشخاص العاديين؟

فخ الذكاء ... لماذا العباقرة أكثر غباء من الأشخاص العاديين؟




عندما تناقش شخصاً يحمل العديد من الشهادات الجامعية وبراءات الاختراع والجوائز العالمية ويتمتع بمستوى عالي جداً من الذكاء، تجد استجابته ضعيفة وكلماته سطحية ومن الصعب جداً أن يستوعب فكرة بسيطة يستطيع أن يفهمها أي شخص غيره، ومن الممكن أيضاً أن يقع في هفوات لا يمكن للشخص العادي أن يقع بها، إذن لماذا يكمن وراء العقول الكبيرة كمية هائلة من الغباء؟ إليك هذا المقال:




لماذا يكون العبقري أكثر عرضة للوقوع في الهفوات البسيطة؟


إذا بحثنا عن أذكى شخص في العالم من المؤكد أن هذا الشخص سوف يكون العالم أينشتاين الرجل الذي كانت أفكاره أساساً للعديد من الأفكار التي غيرت وجه البشرية، فهو صاحب نظرية النسبية التي غيرت العالم، فهذا الرجل وضع أسس العلم الحديث وذلك من خلال النظرية النسبية الخاصة لعام 1905م وبعدها النظرية النسبية العامة لعام 1915م وحصوله على نوبل عام 1921م، وهنا نبدأ بالنظر لعقل هذا الأنسان على أنه عقل لم ترى مثله البشرية على الإطلاق، حيث أن أي قائمة لأذكى الأشخاص في العالم يجب أن تتضمن اسم أينشتاين.


ولكن هناك بعض الأمور في حياته تجعلنا ننظر له بنظرة مختلفة قليلاً، فمثلاً في سنة 1925م وتحديداً في بداية ظهور التصورات الجديدة حول نظرية ميكانيكا الكم، بدأ أينشتاين يعبر عن استيائه من هذه النظرية، على الرغم من أن هذه النظرية أحد أهم أعمدة الفيزياء الحديثة ومثبتة في مئات التجارب حول العالم، حتى أن أينشتاين نفسه اقترح واحدة من أهم أفكار ميكانيكا الكم.


وللأسف الشديد إن اعتراض أينشتاين رغم ذكائه لم يكن اعتراضاً علمياً، ولكن على حسب تعبيره كان الاعتراض على نتائج عن طبيعة هذا العالم، ببساطة لم يكن معجباً بهذه النظرية وكان يرى أن العالم الذي نسكنه وجوده غير مرتبط بوجودنا، أما على النقيض الأخر نجد "نيلس بور" واتباعه من مناظري نظرية ميكانيكا الكم قد وجدوا أن كل ما نعرفه هو نتيجة ملاحظتنا وقياساتنا ولا يوجد حقيقة نهائية، وفي رسالة قد وجهها أينشتاين للعالم الكبير "ماكس بورن" ذكر فيها أنه معجب بهذا النظرية ولكن يوجد إحساس بداخله يخبره بأنها ليست حقيقية.

أينشتاين  واحد من أهم العقول البشرية والذي وضع أسس الفيزياء الحديثة يقول بأن إحساسه يخبره بأن النظرية ليست حقيقية.


• العلاقة بين ذكاء الشخص ومدى صحة قراراته 


وجدت الدراسات والأبحاث علاقة بين الذكاء والنضج السلوكي، فمثلاً إذا حصلت على درجة عالية جداً في امتحان الذكاء هذا لا يعني أنك لن تأخذ قرارات خاطئة في حياتك، وليس هذا فقط بل إن النشاط الزائد في المخ والقدرة العظيمة على التفكير بأمور صعبة قد يكون هو السبب بأن تأخذ قرارات غبية وبلهاء ويعود ذلك لسببين:


السبب الأول 

أن اختبارات الذكاء بشكلها الذي نعرفه ليست ذكية بما فيه الكفاية، فهي بالواقع لا تخبرنا نوع الذكاء الذي تقيسه، وهنا تكمن المشكلة بأن تقيس شيء لا تمتلك تعريفاً صحيحاً له، وإذا نظرنا لاختبارات الذكاء نجدها تقيس مجموعة من المهارات أهمها المهارة التحليلية وسرعة حل المشكلات وهذا بالعادة تكون مسائل لغوية أو حسابية، ولكن بعد فترة من تجربة  هذه الاختبارات واستخدامها كمعيار ومقياس بدأ العلماء بالتشكيك بصحة هذه الاختبارات، وهذا لأن عملية اتخاذ القرار وتحديد القرار الصحيح عملية معقدة أكثر من المسائل الحسابية والتحليلية، ومنه تم تقسيم الذكاء إلى ثلاثة أنواع، الذكاء الإبداعي، الذكاء التحليلي، والذكاء العملي، وهذا لكي لا ينحصر مفهوم الذكاء بالقدرة على حل المسائل الحسابية، بل بقياس الذكاء وتوظيفه في الحياة الواقعية.


السبب الثاني 

أن الشخص الذكي يعتقد بأنه ذكي، فهناك دراسة ظهر من خلالها علاقة ربط بين الشخص الذكي الذي يرى نفسه ذكياً وبين تعامله مع أفكاره على أنها صحيحة لا تقبل الخطأ.

ببساطة أن الأشخاص الذين يمتلكون معدلات ذكاء عالية أو يعتقدون أنهم يمتلكون درجة ذكاء عالية، يكونون أكثر ثقة بنفسهم وبقراراتهم، وهذا ما يجعلهم أكثر عرضة للوقوع بأخطاء منطقية جداً بعيداً عن مستوى ذكائهم العالي، ولكن  الأشخاص الذين يعتقدون أنهم ليسوا أذكياء، يفكرون بدل المرة مرتان ويكونون أكثر حساسية لفكرة أنهم من الممكن أن يتخذوا قرار خاطئ وبالتالي يكونون أكثر انتباهاً وحرصاً وهذا أفضل بالتأكيد.


• فخ الذكاء 

إن عقل الأنسان يميل للحجج التي تدعم أفكاره، أي أن الشخص الذكي يبحث عن فكرة ثم يبحث لها عن إثبات وهذه المشكلة عند كل الناس ولكنها تأخذ شكلاً معقداً عند الأشخاص الأذكياء، وذلك لأن الشخص الذكي عندما يبحث عن حجج تسند أفكاره سوف يبحث عن أفكار معقدة أكثر ومؤثرة أكثر، مما يعني أن حججهم سوف تكون مترابطة أكثر، ويقال أن الأذكياء يصدقون أشياء غريبة جداً لأنهم يمتلكون المهارة للدفاع عن قناعات وصلوا لها من أسباب غبية جداً، وهنا نلاحظ أن الفكرة المثبتة ليس بالضروري أن تكون صحيحة فالقدرة على الجدال والتحليل والمنطق يمكن أن تحجب الشخص الذكي عن أخطاء لا يقع بها شخص عادي، فالدماغ الذكي يمكن أن يساعدك على اتخاذ القرارات الصعبة والمعقدة، ولكنها ليست معيار لصحة هذه القرارات.


• الذكاء العاطفي 

عندما تستغل ذكائك بشكل جيد هذا سوف يساعدك على تحقيق الكثير من النجاحات في الدراسة وفي العمل، ولكن المشكلة أن هذا الذكاء لن يساعدك في أمور أخرى لا تقل أهمية، فمثلاً أن تجد شريك تكمل معه حياتك أو أن تربي أطفالك أو أن تجد صديق جيد، وذلك لأن الحياة الواقعة لا يوجد بها امتحانات حسابية، فكلما زاد ذكائك زادت فرصة انعزالك عن الناس ودائرتك الاجتماعية تصبح أضيق، فأن تكون ذكياً ليس بالضرورة أن تنجح في العلاقات وفي اجتياز حواجز الحياة الواقعية، وهنا ستصبح الحياة عبارة عن امتحانات وانجازات بعيداً عن العاطفة والعلاقات.



إذا كنت شخصاً ذكياً وتبحث عن طريقة للخروج من هذه المشكلة التي لا تحوي أوراقاً ولا أقلام يجب أن تعلم أن هناك فرق بين الحكمة والعقل، فالعقل يخبرك بأن ما تفعله يتم على أكمل وجه والحكمة تخبرك بالسبب الكامن وراء أفعالك، والورقة الرابحة هي التواضع الذي من خلاله تستطيع وضع احتمال للخطأ في كل قراراتك، والتواضع سوف يضمن لك أنه حتى لو وقعت في الخطأ ستجد شيئاً تتعلمه من هذا الخطأ.


أرشيف المدونة

إتصل بنا

إرسال