حقيقة اضطراب تعدد الشخصيات والفرق بين الواقع والخيال

حقيقة اضطراب تعدد الشخصيات والفرق بين الواقع والخيال

 


إن اضطراب تعدد الشخصيات(Dissociative identity disorder) هو مرض غريب للغاية، ومن المعروف أنه يمكن للشخص المصاب بهذا الاضطراب أن يمتلك أكثر من شخصية في جسد واحد والغريب هنا أن لكل شخصية كيان مستقل ومعزول عن الشخصيات الأخرى، ولكل شخصية تصرفات وأفكار خاصة بها ولكن كيف يمكن للمريض أن يتحول من شخصية إلى أخرى؟ وهل يمكن علاج هذا المرض وتشخيصه؟ إليك المقال التالي:



• اضطراب تعدد الشخصيات والانفصام النفسي والربط بين الشخصيات 

إن تعدد الشخصيات لا يعني أن يتقلب المريض مزاجياً، أي انه لا يعني وجود شخصية سعيدة وشخصية حزينة وشخصية غاضبة، بل يعني أن هناك عدة أشخاص يعيشون في شخص واحد ولكل شخص له هوية ومشاعر وجنس خاص به فمن الممكن أن تعتبر الشخصية نفسها ذكراً أو أنثى بغض النظر عن عن نوع الجسد الخارجي، ولهذه الشخصيات أيضاً أعمار مختلفة وأشكال مختلفة أيضاً فقد تفرض الشخصية شكلاً خاصاً بها لا يشبه الشكل الحقيقي للجسد الخارجي، وهناك أيضاً صفات جسدية مختلفة لكل شخصية فقد تكون الأولى مريضة عمى ألوان وتكتب باليد اليمنى والثانية ترى الألوان بكل وضوح وتعاني من مرض السكري والثالثة لديها نقص في الرؤية وتحتاج إلى نظارات وتكتب باليد اليسرى.
أن هذا الاضطراب هو مرض نفسي نادر وتصل نسبته إلى 1-3% ولكن بالمقارنة مع عدد سكان الأرض سوف يكون العدد كبير نوعاً ما

• كيف يصاب الشخص باضطراب تعدد الشخصيات؟

يصنف هذا الاضطراب ضمن اضطرابات "الصدمة" والذي يحدث بسبب صدمة عاطفية قوية يتعرض لها الشخص بعمر صغير جدأ والذي يتراوح بين ال3 سنوات إلى8 سنوات لأن في هذا العمر يصل الطفل إلى مرحلة يستطيع خلالها استيعاب الأحداث التي تجري من حوله ولكن ليس بالنضج الكافي لفهمها ولتكوين شخصية حقيقية خاصة به، لذلك عندما يتعرض لصدمة قوية تفوق طاقة دماغه على الاستيعاب يأخذ الدماغ وضعية دفاعية ويُكون شخصية جديدة ليخزن بها ذكريات هذه الصدمة، أي أن الدماغ يصنع شخصية ليخزن بها ذكريات الصدمة لأن الشخصية الرئيسية لم تنضج بعد، وبذلك تصبح هذه الآلية معتادة عند الدماغ للدفاع عن نفسه فكلما تعرض لصدمة جديدة صنع شخصية جديدة وخزن بها ذكريات هذه الصدمة.

يعتبر اضطراب تعدد الشخصيات من الأمراض النفسية الفصامية وهي الأمراض التي ينفصل بها الدماغ عن الواقع، وتحدث هذه الحالة للجميع تقريباً ولكن بدرجة خفيفة مثل تلك التي تحدث عندما تقود سيارة وتصل لوجهتك بشكل تلقائي دون تذكر شيء عن الطريقة التي وصلت بها، ولكن عندما يتعرض الدماغ لصدمة كبيرة يفصل نفسه بشكل متعمد عن الواقع لكي لا يعيش أحداث الصدمة.

• الاتصال بين الشخصيات ومحاولة العلاج

إن الأطباء والعلماء المتخصصين بهذا المجال عددهم قليل جداً، أي أن الأطباء النفسيين العاديين يصعب عليهم التعامل مع هذا الاضطراب وحتى طرق العلاج تختلف من طبيب إلى آخر، ومن الطرق التي كان يستخدمها الأطباء قديماً هي محاولة دمج الشخصيات جميعها ولكن تبين مع الوقت أن هذه الطريقة ليست فعالة لأنه أصبح لهذه الشخصيات وجود كبير بحياة المريض ومن الصعب جداً دمجها أو إخفائها، أي أن كل شخصية تحاول البقاء أكثر ولا يمكن أن ترضى بزوالها أو إخفائها، حديثاً أصبحت جهود الأطباء تدور حول محاولة جعل الشخصيات تتعايش مع بعضها وخلق نظام تعايش بين الشخصيات جميعها.

وتكمن الصعوبة بالعلاج وراء كون الشخصيات مستقلة إستقلالاً تاماً عن بعضها، فلكل شخصية مشاعر خاصة وأهداف خاصة لا تخبر الشخصيات الأخرى عنها، وحتى المهارات لا تتشابه بين الشخصيات فمن الممكن أن تكون الشخصية ماهرة في أمر ما ولكن الشخصيات الأخرى لا تعرف عنه شيء، ولهذا قد يعاني أصحاب اضطراب تعدد الشخصيات من أمراض نفسية أخرى مثل الاكتئاب والقلق.

• كيف يعرف المريض أنه يعاني من انفصام وتعدد شخصيات؟

في البداية قد يهمل الأمر ويعتقد أن مايحصل له هو مجرد نسيان متكرر ولكن ما يحدث حقاً هو أن لكل شخصية أفعال تخفيها عن الشخصيات الأخرى بما فيهم الشخصية الرئيسية ولهذا يجد المريض فراغات كبيرة في حياته، ويأتي الاستيعاب عندما يخبره عن المرض طبيب نفسي أو عندما تزيد غرابة الأمور ويبدأ بالبحث عن السبب في الكتب أو في الانترنت ويقارن الأعراض مع الأعراض التي يعاني منها، وعندما يدرك الدماغ بأن هناك اضطراب تعدد شخصيات يبدأ بمحاولة التعايش وضبط الأمور، ويستطيع تفسير الاصوات والافكار الغريبة التي تضرب رأسه على أنها أصوات الشخصيات الأخرى ومن ثم ترتيبها.

• كيف تتبدل الشخصيات ومتى؟

تختلف الإجابة من مريض إلى أخر ففي بعض الأحيان يحدث التبدل وفقت مخطط زمني معين متفق عليه من قبل الشخصيات واحياناً يكون هناك دوافع خارجية تسبب هذا التبديل ممكن أن تكون جيدة وممكن أن تكون سيئة فمثلاً عندما يتعرض المريض لموقف خطير قد تظهر شخصيات تدعى"الحماة" وهي من أهم الشخصيات وأكثرها ضرورة لأنها قد تمتلك مهارات دفاعية أكبر مثل قوة جسدية والقوة الكلامية، وهناك نوع شخصيات أخر يدعى "الصغار" والدماغ يحرص على وجودهم لأنهم شخصيات حساسة وعمرها صغير، وأعمار الشخصيات يختلف من شخصية إلى أخرى فبعض الشخصيات تأخذ عمر المريض نفسه والبعض الأخر يمكن أن يكون طفل أو شخص عجوز، وتظهر الشخصيات الصغيرة عندما يكون هناك حافز مثل السكاكر والألعاب، وهناك شخصيات تدعى "حاملي الصدمة" هذه الشخصيات يخزن بها الدماغ الصدمات التي تعرض لها وتكون هذه الشخصيات كئيبة وكارهة للحياة، يمكن أن يتحسن وضعهم ولكن التعامل معهم صعب أو أصعب من الشخصيات الأخرى، ولهذا تحتاج هذه الشخصيات إلى رعاية أكبر، وبالتالي يتبقى لدينا الشخصية الرئيسية التي سوف نسميها "المستضيف" وتبقى هذه الشخصية هي المسيطرة معظم الوقت ولكن يمكن أن تختفي هذه الشخصية مع الوقت أو تسيطر الشخصيات الأخرى أكثر منها أو يحدث لها دمج مع شخصية أخرى وبذلك يصبح لدينا شخصية مستضيف جديدة تماماً.



إن التبدل الذي يحصل بين الشخصيات ليس تبدل وعي فقط بل هو تبدل فيزيولوجي كامل فمن الممكن أن تعاني شخصية من مرض حقيقي ملموس ولا تعاني منه الشخصيات الأخرى، وحسب مقابلات الأطباء مع المرضى قد تبين أن الشخصيات تعيش سوياً في الدماغ وفي مكان افتراضي ولكن في حالة سبات أما الشخصية المسيطرة هي التي تشعر وتستوعب كل الأحداث الحاصلة ولكن أثناء التبديل يمكن أن تبقى الشخصية بحالة وعي ولكن ليست هي المتحكمة، ولكل شخصية من هذه الشخصيات مهارات خاصة بها وأهداف وصفات لا تعرفها الشخصيات الأخرى، ومن هنا تأتي أهمية إيجاد طريقة للتعايش بين الشخصيات مثل أن تصارح الشخصيات بعضها البعض عن الأحداث التي مرت بها كل شخصية أو التسجيل على ورقة أهم الأحداث التي مرت بها كل شخصية لتتمكن الشخصية الرئيسية من فهم الحياة والتعامل معها.


أرشيف المدونة

إتصل بنا

إرسال